كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



وتارة إلى البعد عنه وذلك إذا تفشت حرارته وتكاثف جرمه وفائدة هذه المشيمة إيصال الدم والروح إلى بدن الجنين ليغتذي بالدم ويحيا بالروح وذلك بسبب ما في المشيمة من العروق الكثيرة المتصلة بأفواه أو ردة الرحم وشرايينه وهي التي تعرف بالنقر وقد يسمى أنف الرحم بسبب أنه يستنشق منهما النسيم كما في الأنف وفائدة تدلي هذه العروق في المشيمة أن تطول مسافة نفوذ ما ينفذ فيها وزمان بقائه في تلك العروق فتكثر استحالته إلى مشابهة مزاج المني ثم ينفذ من هذه العروق الدم والروح من سرة الجنين إلى بدنه ويبتدئ الدم بالنفوذ إلى كبد الجنين ومنها إلى جميع أعضائه لتغذيتها وكذلك الروح يبتدئ في النفوذ إلى قلب الجنين ثم إلى بقية أعضائه لست أعني بذلك أعضاءه التي تكونت بلا أجزاء والتي تصير له أعضاء ومنافذ الدم تصير أو ردة ومنافذ الروح التي تصير شرايينًا.
قوله: والثاني يسمى بلاسي وهو اللفايفي وينصب إليه بول الجنين.
هذا الغشاء يحدث للجنين في الشهر الثاني وذلك لأن الجنين يبول من سرته وملاقاة البول لبشرته يؤذيها فلذلك احتيج أن يخلق له حينئذٍ هذا الغشاء ليحول بين البول وبين بشرته وإنما يتأخر هذا الغشاء إلى الشهر الثاني لأن بول الجنين إنما يكثر حتى يخشى من إضراره بشرة الجنين في هذه المدة وإما المادة التي يتكون منها هذا الغشاء فهي الفضلات التي تفضل من غذائه الواصل إليه من المشيمة وذلك لأن الجنين في الشهر الأول والثاني والثالث يكون ما يستعمله من الغذاء قليلًا لأجل صغره والواصل غليه من الرحم وهو على القدر الذي يصل إليه بعد ذلك فلا بد من أن يفضل عنه في هذه المدة فضول كثيرة ولذلك تكثر بالأم الأعراض الردية التي من شأنها أن تعرض للحوامل كالشهوة الفاسدة والنفرة عن اللحوم وثقل البدن والتكرب ونحو ذلك ومن هذه الفضول يتكون الغشاءان الحادثان وهما هذان الغشاءان والأخرى تحدث في الشهر الثالث.
قوله: والثالث يقال له أنفس وهو يمتص العرق ولما كانت الفضول تكثر في الجنين في الشهور الأولى وجب أن يكون ما يندفع منها حينئذٍ أكثر والمندفع في البول أكثر لا محالة من المندفع في العرق فلذلك كانت الحاجة إلى الغشاء الموقي عن البول قبل الحاجة إلى الغشاء الموقي عن العرق متأخرًا ولا شك أن عرق الجنين إذا كثر من ملاقاته للبشرة أن يلدغها ويرخيها فيحتاج لذلك إلى جرم يحول بينه وبين ذلك العرق وهذا الجرم لا بد وأن يكون غشائيًا ليكون مع قوته مفرط الرقة فلا يزاحم الجنين ويضيق عليه المكان.

وقوله: هذا الغشاء أيضًا هو من فضول الغذاء كما قلنا في الغشاء الحاوي للبول وليس يحتاج الجنين مع هذه الأغشية الثلاثة إلى غشاء رابع وذلك لأن حاجته إلى ذلك إما لأجل الغذاء والروح والنسيم وذلك قد قام به الغشاء المشيمي وإما لأجل الوقاية وذلك قد قام به هذان الغشاءان الآخران وجملة هذه الأغشية تفيد أيضًا في وقاية الجنين عن المصادمات والسقطات ونحو ذلك.
وليس للجنين براز حتى يحتاج إلى غشاء آخر وإنما كان كذلك لأن وصول الغذاء إليه إنا هو بالطبع وإنما يصل بذلك ما كان من الغذاء صالحًا صافيًا خاليًا من الفضول التي تحتاج إلى إخراجها بالبراز.
ولقائل أن يقول: ها هنا إشكالان أحدهما أن الغذاء الواصل إلى الجنين كما أنه يخلو من الفضول المحوجة إلى البراز وكذلك هو أيضًا يخلو من المائية الزائدة المحوجة إلى إخراجها بالبول فإن الحاجة إلى البول كما بينتموه أو لًا إنما هو زيادة المائية التي يحتاج إليها لتنفيذ المائية الغذاء في مجاري الكبد وتلك المائية زائدة عن القدر الكافي في الاغتذاء فلذلك إذا انفصل الغذاء من الكبد استغنى عن تلك المائية الزائدة فاحتيج إلى إخراجها بالبول وهذه المائية ليست مما يحتاج إليه الجنين لأن الغذاء إنما يصل إلى كبده بعد ترقيقه وانطباخه في بدن الأم وصيرورته دمًا وإنما يحتاج حينئذٍ إلى فعل كبده فيه ليصلحه ويجعله شبيهًا بمزاج المني وذلك مما لا يحتاج فيه إلى مائية يحتاج إلى إخراجها بالبول فلذلك يجب أن يكون الجنين غير محتاج إلى البول كما هو غير محتاج إلى البراز فكما استغنى عن غشاء لأجل البراز وجب أن يستغني عن غشاء لأجل وثانيهما: أن خلق غشاء لأجل البول يمكن وصوله إلى خارج ذلك الغشاء من السرة وأما العرق إذا خرج من المسام فإنه لا يجد طريقًا إلى خارج الغشاء الذي يقولون إنه مخلوق له فلا يتمكن من النفوذ إلى خارجه فلئن قلتم إنه يتمكن من ذلك بأن ينفذ من مسام ذلك الغشاء.
قلت: هذا لا يصح من وجهين: أحدهما: إن أمكن نفوذه أيضًا في غشاء البول ومخالطة العرق للبول مع توقيتهما عن ملاقاة بشرة الجنين مما لا ضرر فيه.
وثانيهما: أن هذا العرق كما انه ينفذ في مسام هذا الغشاء إلى خارجه كذلك أيضًا يتمكن من النفوذ في تلك المسام إلى داخله بعد ذلك بتلاقي بشرة الجنين فلا يكون لذلك الغشاء تأثير في توقية بشرة الجنين.
والجواب: أما الإشكال الأول فإن الجنين يحتاج أن يكون غذاؤه كثير المائية أعني الدم الذي يأتي إليه لتغذيته يحتاج أن تكون مائيته كثيرة خاصة في أول الأمر وذلك لأن هذا الدم إذا تعدى عروق الأم يحتاج أو لًا أن ينفذ في الخيوط التي ذكرنا أنها تحدث من تشبث بعض أجزاء المني بالتقويم ابتداؤها وانعطافاتها على الغشاء الأول الذي تحتها وهو الغشاء الداخل من المشيمة وإنما يمكن نفوذه في هذه إذا كان قوامه شديد الرقة جدًّا وكان مع ذلك قوي النفوذ وذلك لأجل دفع الهواء النافذ معه له وإذا نفذ في هذه وأحدث فيها تجويف فلا بد من نفوذه بعد ذلك إلى داخل المني حتى يصل إلى كبد الجنين.
ثم بعد ذلك ينفذ في جوهر المني نفوذًا في مواضع كثيرة جدًّا متفرقة ومن مواضع كثيرة ونفوذ ذلك لا بد من أن يحدث ثقوبًا وتلك الثقوب يحدث منها الأوردة وكذلك تحدث الشرايين للجنين من نفوذ الروح والنسيم في أجزاء بدنه وإحداثها الثقوب فيها فتصير الشرايين من تلك الثقوب وإذًا الدم النافذ إلى بدن الجنين يحتاج في تغذيته إلى ذلك فلا بد من أن يكون قوامه شديد الرقة جدًّا وإنما يكون الدم كذلك لأمرين: إما مخالطة كثير من الصفراء وذلك يمنعه من التغذية خاصة للجنين الذي جوهره كثير الرطوبة وإما مخالطة كثيرة من المائية فلذلك يحتاج أن يكون هذا الدم كثير المائية جدًّا فلذلك في غالب الأمر يفضل من تلك المائية قدر كثير ويحتاج إلى إخراجه لئلا يفسد الغذاء وجوهر الجنين وليس يسهل خروج جميعه بالعرق فإن العرق إنما يكون من المائية المصاحبة للدم إلى ظاهر البدن وقد يكون بقاء تلك المائية في ذلك الدم إلى ذلك الموضع مما يفسد الدم ويفسد جوهر الجنين ولأن نفوذها إلى هناك إنما يتم بسعة كثرة من المجاري فهي في أول الأمر لا تتحمل ذلك فلذلك تحتاج هذه المائية الزائدة أن يندفع عن الجنين قبل وصولها إلى ظاهر أعضائه وإنما يمكن أن يكون ذلك بأن يندفع من منفذ ما إلى خارج وهذا المنفذ لا يمكن أن يكون من جهة المثانة والقضيب لأن قضيب الجنين ليس يمكن أن يكون له من الطول ما يصل به المائية إلى مكان بعيد حتى يتعدى جميع بدنه فلذلك تحتاج أكثر هذه المائية الزائدة أن تندفع من منفذ آخر وليس في الجنين منفذ إلى خارج سوى منفذ السرة فلذلك يجب أن يكون اندفاع أكثر المائية الزائدة هو من السرة وباقي تلك المائية يندفع من جهة العرق.
وأما الإشكال الثاني فإنه يجوز أن يكون العرق إنما يكثر في بدن الجنين قبل استحكام المجاري التي يخرج منها فإذا استحكمت تلك المجاري وكثر ما يخرج فيها من البول قل لذلك العرق جدًّا حتى لا يكون المتولد منه بعد ذلك له قدر يخشى من ملاقاته للجنين فإذا كان كذلك ففي الشهر الثالث يكون العرق قد كثر جدًّا وملأ الفضاء الذي بين الغشاء والجنين الذي فيه البول وحينئذٍ ولا بد من أن يترسب منه أجزاء خلطية قد اندفعت منه فإنه بعيد أن يكون الخارج بالعرق حينئذٍ ماء صرفًا وتلك الأجزاء الخلطية إذا رسبت إلى جهة ظاهر الجنين عرض لها هناك انعقاد بقوة الحرارة ويلزم ذلك تولد الغشاء منها وحينئذٍ يكون ذلك الغشاء موقيًا لبشرة الجنين عند ذلك العرق القديم.
وأما ما يحدث بعد ذلك من العرق فإنه يكون قليلًا جدًّا لأجل اندفاع المائية الزائدة حينئذٍ بالبول فلا يبقى منها ما يكثر له العرق وإذا كان ذلك العرق قليلًا جدًّا لم يجتمع منه ما يؤذي بشرة الجنين لأن حرارة داخل الرحم تحلله أو لًا فأولًا فلا يجتمع منه قدر كثير فلذلك يكون هذا الغشاء نافعًا في توقية الجنين من حدة العرق الكثير مع أن الغشاء المتقدم لا يفي بذلك لأن نفوذ العرق في مسام الغشاء يمكن وإلا نفذ فيها البول وكانت ملاقاته للبشرة أشد إضرارًا من ملاقاة العرق لها.
قوله: وهو أقها ليكون مجمع الرطوبة الراشحة.
رقة هذا الغشاء لا ليكون يجمع هذه الرطوبة بل لأن هذه الرطوبة قليلة فلا يكون لها تمديد قوي يحس منه انفتاق الغشاء الحاوي لها فلذلك هذا الغشاء أرق أغشية الجنين وأغلظها الغشاء المشيمي وهو ذو طبقتين تحللها العروق المتلففة بينهما وأما الغشاء الآخر فهو كالمتوسط بين هذين لأنه يحتاج إلى الغلط ليقوى على مقاومته تمديد البول بكثرته.
قوله: وبالحقيقة فإن هذا العرق إنما ينبت من الكبد ويتجه إلى السرة.
هذا كله لأجل المشهور: وهو أن الأوردة كلها تنبت من الكبد.
وهذا شيء قد أبطلناه وبينا فساده فيما سلف بل هذه العروق جميعها تكون على الوجه الذي قلناه.
وذلك تتشبث أجزاء من المني بقعر الرحم ثم تمتد وتلتوي في المشيمة كما ذكرناه ثم يخرقها الدم النافذ فيها وينفذ ذلك الدم إلى السرة ثم إلى الكبد ثم إلى جميع أعضاء البدن فيخرق جميع ما يمر فيه ويصير ذلك كله أو ردة وكذلك يفعل الروح والنسيم ينفذان في الأجزاء الممتدة من المني المتشبثة بأفواه النقر الملتصقة في المشيمة فيخرقانها ثم ينفذان إلى السرة ثم إلى القلب ثم إلى جميع أعضاء البدن فيخرقان ما يمران فيه ويصير ذلك كله شرايين وليس شيء من ذلك بنابت من شيء من الأعضاء.
وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة وليس لها تعلق شديد بالتشريح فلذلك حذفنا الكلام فيها على وجه أبسط من هذا ونستقصي شرح ألفاظه ونحقق الكلام فيها ها هنا وسنعيد شرح هذا الفصل وغير ذلك إذا أخذنا شرح الكتاب الثالث من كتب القانون ونقول الآن إن قولنا في هذا الفصل وغيره في فن التشريح إن كذا انعقد بالحرارة وينخرق بنفوذ الدم والروح ونحو ذلك إنما هو ليفهم المتعلم وتقريب الأمر غليه في التصور.
وأما في الحقيقة فذلك إنما هو بإرادة من لا يعتريه سهو ولا يعجزه أمر وهو الله الخالق تعالى وحده عما يقول الظالمون والجاحدون والكافرون علوًّا كبيرًا. كمل ذلك ولله الحمد والمنّة ونسأله السّلامة في ديننا.